بينه وبين الفعل هي علاقة إسناد، وأن تأخُره عن الفعل رتبة محفوظة، وأن الفعل معه مبني للمعلوم نحويا، وبعد هذا نصل إلى أن زيدا فاعل، ثم ننظر في )عمرا( فنجد أنه ينتمي كذلك إلى مبنى الاسم وأنه منصوب وأن العلاقة بينه وبين الفعل هي علاقة التعدية، وأن رتبته في التأخر عن الفعل والفاعل غير محفوظة، وبذلك نذهب واثقين إلى القول إن عمرا مفعول به.(01)
1-2 القرائن الدَّالة على المعنى الوظيفي:
كان تمام قد جمع قرائن تؤدي مُجملة إلى تفسير وفهم المعنى الوظيفي للمباني وبيَّنها بالمخطط التالي : (لم يتم وضع المخطط لعدة أسباب تقنية).
..........
تمام حسان، اللغة العربية معناها و مبناها- ص 181.
(02) المرجع نفسة، ص 190.
.............
ولمّا كانت الغاية التي يسعى إليها الناظر في النص هي فهمه، ووسيلته في ذلك أن ينظر في العلامات المنطوقة أو المكتوبة فيه، ليصل بواسطتها إلى تحديد المبنى، والوصول إلى المبنى بواسطة العلامة ليس من العمليات العقلية الكبرى لأنها مسألة تعرف، يُعتمَد فيها على الإدراك الحسي بالسمع أو البصر"كما تتعرف على فلان بواسطة حضوره أمامك فلا يحتاج منك ذلك إلاّ إلى قرينة العهد الحضوري".(01) أمّا ما هو أكثر صعوبة فالقفز العقلي من المبنى إلى المعنى وذلك يحتاج إلى قرائن مقاليه )لفظية أو معنوية(، أمّا التحليل اللغوي فيحتاج إلى الأمرين معاً.
1-3 القرائن المعنوية: ويعني بها تمام حسان- والتي يقول بأنّه استلهمها من عبد القاهر الجرجاني- معاني النحو والعلاقات السياقية. والقرائن اللّفظية، هي ما يقدّمه علم الأصوات والصرف للنحو من قرائن صوتية أو صرفية.(02)
فالمعنى الوظيفي يتحدد بمجموعتين من القرائن تؤخذ من عناصر المقال، سواء ما كان معنويا أو لفظيا، لكن ليس معنى ذلك حضور القرائن جميعا في كل تركيب، إنّما يرد منها ما يتوقف عليه المعنى، أمّا المعنوية فتتمثل في :
أ-الإسنـــاد: قرينة معنوية يُعوّل عليها في كشف المعنى الوظيفي إلى جانب القرائن التي يتيحها التركيب. وللإسناد في اللغة معان مختلفة، فقد جاء في تاج العروس أنَّ السند هو ما ارتفع من الأرض في قبل الجبل أو الوادي، والجمع منه أسناد ٌ.(03)
ونقول أسندته إليه، وأسند كذلك: رقى، والمسند و السنيد: الدّعي.(04) وأسند في العدو: اشتدَّ وصمد، وأسند الحديث رفعه.
...............
(01) المرجع السابق، ص 191.
(02) أحمد محمد قدور، مبادئ اللسانيات- ص228.
(03) محمد الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس- تحقيق حسين نصَّار- مطبعة حكومة الكويت:1969- ج 8/ ص 224.
(04) ابن منظور، لسان العرب- دار صادر- المجلد 03- باب الدال- ص 221.................
فكان الأزهري يقول:والمسند من الحديث مااتصل إسناده حتى يُسند إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فالإسناد في الحديث رفعه إلى قائله، ويُقال السند ضرب من الثياب فوق بعض.
ويُجمَل المعنى اللغوي للإسناد في تلك العلاقة اللزومية بين شيئين تتوقف هوية الواحد منهما على الثاني.(01) أمّا اصطلاحاً فيقول عنه الخليل بن أحمد الفراهيدي )ت 175 هـ( :"الكلام سند ومسند، فالســـــند كقولك " عبد الله رجل صالـــح " ف )عبد الله( سند و)رجل صالح(مسند إليه''.(02) وجعل سيبويه للمسند والمسند إليه باباً، فيه قال:"المسند هو الجزء الأول من الجملة والمسند إليه الجزء الثاني منها أمّا الإسناد فالعلاقة الرابطة بين الطرفين، كعلاقة المبتدأ بالخبر والفعل بفاعله"(03)
فالجملة عند النحاة القدامى تركيب يضم عنصرين أساسيين بينهما علاقة إسنادية.(04) والمعنى ليس نتاج جمع عنصر بآخر من عناصر الكلام، إنما هو شيء يتولد من العلاقات الإسناديّة، كما يتولد المركب الكيماوي من مجموعة عناصر متمازجة على سبيل الانحلال و التذويب، لا التلاصق و المجاورة
وبيّن الغلاييني الإسناد بأنه الحكم بشيء على شيء، كالحكم على زهير بالاجتهاد في قولك )زهير مجتهد(، فالمحكوم به يسمى مُسندا، والمحكوم عليه يسمى مسندا إليه والمركب الإسنادي ما تألّف من مسند ومسند إليه .
والمسند إليه هو الفاعل ونائبه والمبتدأ واسم الفعل الناقص واسم الأحرف التي تعمل عمل ليس واسم إن وأخواتها واسم لا النافية للجنس.
...............
(01) شيخي نورية، البنية التركيبية في ضوء الدراسات اللسانياتية المعاصرة- مذكرة لنيل شهادة الماجستير وهران 1998 - ص 115.
(02) ابن منظور، لسان العرب-ج1/ ص 223.
(03) سيبويه، الكتاب – تحقيق عبد السلام هارون- دار الجيل- لبنان: ط1- ج1/ ص23
(04) فرّق القدامى بين الجملة و الكلام و الفيصل في ذلك عائد إلى المعنى.
.............
والمسند الفعل واسمه- وخبر المبتدأ- وخبر الفعل الناقص- وخبر الأحرف التي تعمل عمل ليس وخبر إن وأخواتها .(01)
وكلٌّ من المسند والمسند إليه عمدة، لأنه ركن الكلام، فلا يُستغنى عنه بحال من الأحوال، ولا تتم الجملة بدونه، والمسند إليه لا يكون إلا اسما، أما المسند فيكون اسما –واسم فعل–أو فعلاً. وحكم المسند إليه الرفع غالبا مثل )فازَ المُجتهِدُ( إلا إنْ وقع بعد إنّ أو إحدى أخواتها، فينصب حينئذ مثل )إنّ عمرَ عادلٌ(. وحكم المسند إنْ كان اسما الرفع كذلك، إلاّ إن وقع بعد كان أو إحدى أخواتها فيُنصب وإن كان المسند فعلا، فإذا كان ماضيا بني على الفتح أبدا، إلا إذا لحقته واو الجماعة، فيبنى على الضم، أو ضمير رفع متحرك فيبنى على السكون، وإن كان مضارعا، فهو مرفوع دائما، إلا إذا سبقه ناصب فينصب أو جازم فيُجزم، و إن اتصلت به إحدى نوني التوكيد بني على الفتح أو نون النسوة فيبنى على السكون.(02) وإن كان أمرا فهو مبني على السكون أبدا، إلا إذا كان معتل الآخر فيبنى على حذف آخره أو كان متصلا بياء المُخاطبة أو ألف الاثنين أو واو الجماعة فيبنى على حذف النون ويبنى على الفتح إنْ كان متّصلا بإحدى نوني التوكيد. لكن التركيب اللغوي لا يضم ركني الإسناد فقط، وإن كانا عمدته، فلابد لتمام المعنى من فضلة.
والفضلة اسم يذكر لتمام معنى الجملة، وليس أحد ركنيها، فلا هو مسند و لا مسند إليه، وسُميت فضلة لأنّها زائدة على المسند والمسند إليه - فالفضل في اللغة معناه الزيادة- وحكم الفضلة النصب حيثما وقعت، إلا إذا وقعت بعد حرف الجر أو بعد مضاف فتكون مجرورة.
وما جاز أن يكون عمدة وفضلة، جاز رفعه ونصبه، كالمستثنى في كلام منفي ذكِر فيه المستثنى منه نحو "ما جاء أحد إلا سعيدٌ و إلا سعيداً".
..............
(01) مصطفى الغلاييني، جامع الدروس العربية- منشورات المكتبة العصرية- بيروت: ج 1/ ص 14.
(02) الإعراب و البناء في المباني يكشف عليها الصرف. (المرجع نفسه، ج1/ ص..)
....................
وإذا حُذف المُستثنى منه من الكلام رُفع لأنه يكون حينها مسندا إليه، وما زاد على ذلك هو قيد أي أداة وهي الرّابطة بين جُزئي الجملة أو بينهما والفضلة أو بين جملتين، كأدوات الشرط والاستفهام و التحضيض والتمني وحروف الجر وغيرها.(01)
والإسناد هو الشرط الأساسي الذي يجب توفره في الجملة على المستوى النحوي الساكن، وإن النبأ المفيد هو الشرط الأساسي الذي يجب توفره في المستوى الإخباري، ويتم نقله إلى السامع عن طريق العملية الإسنادية، حيث تتحقق العملية التبليغية، فالإسناد إذ ذاك نسبة إحدى كلمتين إلى الأخرى؛ والنسبة ههنا فُسّرت بأنها إيقاع التعلق بين شيئين، ولا يُشترط فيها الدلالة على معنى يحسُن السكوت عنه، إذ هي عبارة عن تركيب إسنادي، سواء أتمت به الفائدة أو لم تتم. ولعلّه محور نظرية النظم الجرجانية، التي تبحث في علاقات الكلمات المتجاورة أو المتباعدة عن طريق الروابط النحوية، فكانت جارية على قانون النحو و بها يكون النظم، وعن ذلك نجده يقول:الكلم ثلاث ،اسم وفعل وحرف وللتعلّق فيما بينها طرق معلومة، وهو لايعدو ثلاثة أقسام: تعلق اسم باسم وتعلق اسم بفعل –وتعلق حرف بهما.)(02)
فالجرجاني يتحرَّك بين كلام لفظي منطوق ظاهر، ونشاط عقلي باطني خفي .
..................
(01) المرجع السابق- ص 31.
(02) عبد القاهر الجرجاني، دلائل الإعجاز- ص 367.
.................